عشية احتفالها بـ”يوم استقلالها”.. مخاوف واسعة في إسرائيل من تسّلل الانقسامات لـ “قدس الأقداس”.. طقوس استذكار قتلى جنودها

عشية احتفالها بـ”يوم استقلالها”.. مخاوف واسعة في إسرائيل من تسّلل الانقسامات لـ “قدس الأقداس”.. طقوس استذكار قتلى جنودها

  • عشية احتفالها بـ”يوم استقلالها”.. مخاوف واسعة في إسرائيل من تسّلل الانقسامات لـ “قدس الأقداس”.. طقوس استذكار قتلى جنودها

اخرى قبل 1 سنة

عشية احتفالها بـ”يوم استقلالها”.. مخاوف واسعة في إسرائيل من تسّلل الانقسامات لـ “قدس الأقداس”.. طقوس استذكار قتلى جنودها

 

وديع عواودة

 

الناصرة- “القدس العربي”: عشية ما يُعرف بـ “يوم الاستقلال” الخامس والسبعين (غداً الأربعاء)، تحيي دولة الاحتلال، اليوم الثلاثاء، ذكرى قتلاها في الحروب، وفي العمليات الفلسطينية، منذ أن قامت، غداة نكبة 1948، في سلسلة طقوس تأبينية الطابع، داخل مقابر عسكرية مركزية، وسط مخاوف من أن تنعكس الخلافات السياسية الداخلية سلباً على هذا اليوم، الذي كان حتى الآن بمثابة قدس الأقداس بالنسبة للإسرائيليين.

 

وطبقاً للمعطيات الإسرائيلية الرسمية، سيبلغ عدد الجنود (والمدنيين) الإسرائيليين ممن قُتلوا في الصراع العربي- الفلسطيني- الإسرائيلي، منذ بدايته، نحو 24 ألف جندي وجندية، وهو عدد يقلّ، في المناسبة، عن عدد قتلى حوادث السير في الفترة ذاتها.

 

عدد كبير من العائلات الإسرائيلية رفضَ مشاركة السياسيين في الطقوس والمراسم الخاصة بإحياء ذكرى أقاربهم، ما أجّج الخلافات والسجالات الداخلية.

 

وفي هذه المناسبة، تعالت الدعوات من أجل نبذ الخلافات والانقسامات، والتحذير من تبعاتها ومخاطرها الوجودية، فقال رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ إن الصافرة التي تُسمع في أجواء البلاد، إيذاناً ببدء مراسم إحياء ذكرى من سقطوا في حروب إسرائيل، هي ناقوس خطر، وإنذار كبير لكل الإسرائيليين بأن أثمان الانقسام الداخلي باهظة جداً.

 

وتبعَه وزير الخارجية الأسبق، قائد جيش الاحتلال الأسبق، غابي أشكنازي، الذي قال، في حديث مطول لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، إنه مواطن قلق جداً، وإنه لم يعد يقوى على إغماض عينيه في الليالي أحياناً، مثلما لا يستطيع الصمت على ما تشهده الدولة، ولذا وجد من المناسب إسماع صرخته ضد الإصلاحات القضائية التي تقودها حكومة نتنياهو السادسة، كونها “تحول إسرائيل من ديموقراطية لديكتاتورية”.

 

أما قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، فقال، في كلمته في مراسم رسمية تمت في ساحة البراق في القدس المحتلة من أجل إحياء ذكرى القتلى الجنود والمدنيين، إنه ينبغي إبقاء شؤون الساعة خارج المقابر والطقوس الرسمية اليوم. وتأتي هذه الدعوات والتحذيرات من النزيف الداخلي على خلفية

 

إعلان عدد كبير من العائلات الإسرائيلية الثكلى، في الأيام الأخيرة، عن رفضها مشاركة السياسيين، خاصة الوزراء ونواب اليمين الصهيوني في الطقوس والمراسم الخاصة بإحياء ذكرى أقاربهم، مما أجّج الخلافات والسجالات الإسرائيلية الداخلية.

 

صيحة العائلات الثكلى

 

كما قال عدد من هذه العائلات إنها ستقاطع المراسم احتجاجاً على مشاركة وزراء ونواب إسرائيليين، فيما قالت عائلات أخرى إنها ستشارك فيها، لكنها ستحرص على تشويش كلمات هؤلاء المسؤولين، ومنعهم من التحدث بهدوء، رغم ما في ذلك من وجع وقلة احترام لـ “الطقس المقدس”. ويأتي كل ذلك على خلفية أن عدداً كبيراً من العائلات الثكلى الإسرائيلية ترفض “الانقلاب القضائي” الذي شَرَعَ به الائتلاف الحاكم، ويضرب مبدأ فصل السلطات، ويقزّم الجهاز القضائي، ويضاعف قوة السلطة التنفيذية. كذلك يأتي هذا الموقف للعائلات الثكلى الإسرائيلية على خلفية الغضب من تصريحات بعض رموز الائتلاف الحاكم ضد الجنود والضباط في التشكيلات العسكرية المختلفة في الجيشين النظامي والاحتياطي ممن أعلنوا وقف تدرّبهم وتطوّعهم في الخدمة العسكرية، احتجاجاً على “الانقلاب القضائي”. في الأسابيع الأخيرة هاجم عددٌ من الوزراء ونواب اليمين الصهيوني القيادات العسكرية التي أشهرت رفضها وتمردها على “الخطة القضائية”، وتم وصفها بالخيانة، ما يثير سخط هذه العائلات وغيرها من الأوساط الإسرائيلية التي دعت لعدم مشاركة هؤلاء الوزراء والنواب، خاصة ممن لم يخدموا في الجيش.

 

عيون الإسرائيليين تتجه لبئر السبع

 

وتتوجه أنظار الإسرائيليين، اليوم بشكل خاص، للمقبرة العسكرية في مدينة بئر السبع، في قلب صحراء النقب، حيث أعلن وزير الأمن القومي المدان بالإرهاب إيتمار بن غفير أنه مصمّم على المشاركة في مراسم إحياء ذكرى قتلى المدينة والمنطقة، بصفته وزيراً، رغم أن العائلات دعت مراراً وتكراراً لعدم مشاركته، خاصة أنه لم يؤد الخدمة العسكرية. من جهته سوَّغَ قراره بالقول إنه وزير، وعضو المجلس الوزاري السياسي- الأمني المصغّر، وشريك في اتخاذ قرارات صعبة، منها إرسال الجنود للمعارك، وعلى عاتقه ملقى واجب المشاركة في إحياء ذكرى جنود قتلوا في الحروب، علاوة على زعمه بأن بعض العائلات الثكلى لا تريد مشاركته، لكن بعضاً آخر منها يريد مشاركته.

 

لا يتعلمون ولا يعملون ولا يخدمون في الجيش

 

ومما زاد طينة الانقسامات الداخلية بين الإسرائيليين بلّة مشروع قانون تمّت المصادقة عليه بالقراءة الأولى يعفي اليهود الأورثوذوكس (الحريديم) من الخدمة العسكرية، للمرة الأولى منذ إنشاء جيش الاحتلال عام 1948، فحتى الآن كان قانون الخدمة الإجبارية ينطبق عليهم أيضاً، لكنهم تهرّبوا منها، بحكم تأثيرهم وابتزازهم السياسي من خلال أحزابهم، التي كانت تشترط مشاركتها في الائتلافات الحاكمة مقابل عدم فرض الخدمة العسكرية على شبابهم. بل أكثر من ذلك، فقد تهرَّبَ شباب “الحريديم”، طيلة عقود، من الخدمة العسكرية، بحجة أنهم يذهبون لتعلّم التوراة، ولذا فهم لا يعملون أيضاً، ويتقاضون مخصّصات مالية شهرية، حتى جاء القانون الجديد لإعفائهم من الخدمة العسكرية وفق مطلبهم، ما يزيد من حالة السخط المتصاعدة ضدهم لدى أوساط واسعة من الإسرائيليين، خاصة الغربيين والعلمانيين ممن يشكون عدم المشاركة في تحمّل الأعباء العسكرية والاقتصادية، لا سيما أن الزيادة الطبيعية لدى الحريديم عالية جداً، وهم يشكّلون اليوم نحو 12% من الإسرائيليين، وتتوقع الدراسات أن يشكّلوا ربع السكان في إسرائيل في العام 2050.

 

أشكنازي قال إنه قلق جداً، ولم يعد يقوى على إغماض عينيه في الليالي أحياناً، مثلما لا يستطيع الصمت على ما تشهده الدولة، ولذا وجد من المناسب إسماع صرخته ضد الإصلاحات القضائية.

 

ومما يزيد من غضب الإسرائيليين ويضاعف مخاوفهم من المستقبل حقيقة أن الحريديم يرفضون تعليم العلوم والإنكليزية والرياضيات بمستوى عال داخل مدارسهم، وتركيز طاقاتهم في تعلم التوراة زاعمين أن تعلّمها والتمسك بها هو الذي سيحمي اليهود ويحمي إسرائيل أكثر من دباباتها وطائراتها، بدليل أن التوراة حفظت الشعب اليهودي من الاندثار طيلة آلاف السنوات.

 

مصير إسرائيل في 2050

 

وتتساءل الأوساط الإسرائيلية عن مصير إسرائيل في 2050، يوم تصبح أغلبية السكان فيها غير صهيونية، فالحريديم بشكل عام يعرّفون أنفسهم كيهود غير صهاينة، ولجانبهم فلسطينيو الداخل أيضاً. ويناصب الحريديم العداء للأوساط الإسرائيلية العلمانية والحداثة، ويحظر تسويق الهواتف الذكية في بعض مدنهم، كونها “مصدراً للشرور والانفتاح على الحداثة الفاسدة”، مثلما يناصبون العداء الكبير للمحكمة الإسرائيلية العليا.

 

ويكشف تحقيق لصحيفة “هآرتس”، اليوم الثلاثاء، عن المضامين المعادية جداً في كتاب المدنيات والمواطنة في مدارس الحريديم عن حجم الكراهية هذه للقضاء. تحت عنوان «المحكمة العليا كـ “دكتاتورية قضائية “- نظرة خاطفة على كتاب المدنيات الرئيسي للطلاب الحريديم». ومما يرد في الكتاب، على سبيل المثال، أن المحكمة العليا تدوس على الغالي والنفيس للشعب الإسرائيلي على مدار العقود الماضية. المحامي غلعاد ملاخ، من المعهد الإسرائيلي للديموقراطية، يقول، ضمن تحقيق “هآرتس”، إن الكتاب لا يعلّم عن الديموقراطية، ولا يقوي القيم الديموقراطية لدى الطلاب، بل يساهم في تطوير علاقة سلبية تجاه الدولة، ويحرّض على الحقوق الليبرالية، وعلى المحكمة العليا، ما ينذر باتساع الهوة بين الحريديم وبقية الإسرائيليين خاصة العلمانيين مستقبلاً.

 

الانقسامات حقيقية عواملها متعددة وعميقة

 

وهذا يذكّر بأن ما تشهده إسرائيل، منذ بداية العام، ليس مجرد انقسام حول مكانة الجهاز القضائي واستقلالية المحكمة العليا، إنما هو أكبر وأخطر بكثير، فالصراع يدور بين شرقيين وغربيين، وبين علمانيين ليبراليين ومتدينين محافظين ومتدينين غيبيين، بين من يبحث عن إدارة أو تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني، الذي زاد عدده بين البحر والنهر عن تعداد اليهود، وبين من يريد حسمه بالحديد والنار، بين الدولة العميقة وبين النخب الجديدة الناتجة عن تغيرات ديموغرافية واجتماعية وسياسية مهمة، أبرزها تناقص عدد الغربيين وازدياد عدد الشرقيين، علاوة على ظاهرة التديّن وتديين الصراع وغيره. وهناك من يرى في العام 1977 نقطة البداية، يوم خسر حزب “العمل”، مؤسس إسرائيل، الحكم فيها لصالح “الليكود”، الذي تقوده نخبة معظمها من الغربيين، لكن جمهوره الواسع هم من اليهود الشرقيين، ممن يعلنون بصوت أعلى، في السنوات الأخيرة، شكواهم بأنهم مستعفون وضحايا استعلائية وتمييز عنصري من قبل النخب الأشكنازية. هذه المسيرة التراكمية للتغيرات العميقة تفاقمت منذ انهار “الخطر العربي الخارجي”، في ظل الربيع العربي، قبل نحو العقد، وانطلاق التطبيع العربي مع الاحتلال، قبل ثلاث سنوات، حتى فجّرتها “الإصلاحات القضائية” مع تشكيل حكومة نتنياهو السادسة، مع بدء العام الحالي. وإسرائيل نتيجة الأسباب المعلنة وغير المعلنة للصراع تشهد حالة انقسام داخلي غير مسبوق تعتبرها جهات إسرائيلية كثيرة تهديداً وجودياً.

 

ما يزيد خوف الإسرائيليين أن الحريديم يرفضون تعليم العلوم داخل مدارسهم، وتركيز طاقاتهم في تعلم التوراة زاعمين أن التمسك بها هو الذي سيحمي إسرائيل أكثر من دباباتها وطائراتها.

 

رؤية سوداوية

 

على خلفية كل ذلك، وفي الذكرى الخامسة والسبعين لـ “استقلال إسرائيل”، المصادفة غداً، تتسم افتتاحية الصحيفة ذاتها (“هآرتس”) بالتشاؤم بدلاً من الاحتفالية والتفاؤل، بعكس ما كتبته في سنوات خلت. ففي افتتاحيتها اليوم تقول “هآرتس” إنه قد مرّ 75 عام على استقلال إسرائيل، ورغم نقاط القوة الكثيرة فيها في مجالات شتى لا يوجد أي سبب للاحتفال هنا، بسبب الانقلاب على النظام الذي تقوده حكومة متطرفة وعنصرية، حكومة بنيامين نتنياهو التي تهدد بقلب إسرائيل لديكتاتوية ومظلمة. وتتساءل في رؤيتها السوداوية كيف يمكن الاحتفال في ظل الانقسام والشرخ في المجتمع الإسرائيلي؟ كيف يمكن الاحتفال عندما تطلب الحكومة والكنيست السيطرة على السلطة القضائية وابتلاعها، وعندما يكون اقتصاد الدولة في حالة تدهور، وغيوم الحرب تغطي سماء إسرائيل؟

التعليقات على خبر: عشية احتفالها بـ”يوم استقلالها”.. مخاوف واسعة في إسرائيل من تسّلل الانقسامات لـ “قدس الأقداس”.. طقوس استذكار قتلى جنودها

حمل التطبيق الأن